Topالعالم

إسرائيل وإيران… الخروج من حرب الظلال

بحسب “العربي الجديد”، تبادل الردود بين إيران وإسرائيل، نقل الحرب بينهما من الظل إلى العلن، وبات ينذر بتطورات عسكرية وسياسية، ذات أبعاد إقليمية ودولية، وسط معارضة أميركية أوروبية للتصعيد في الوقت الراهن. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو من بادر إلى إحداث هذه النقلة من خلال قصف القنصلية الإيرانية في دمشق في الأول من إبريل/نيسان الحالي، وكان على دراية بأن ذلك يمكن أن يقود إلى توسيع الحرب على غزة لتشمل إيران، ولذلك حاول استغلال فرصة الرد الإيراني للذهاب في هذا الاتجاه. لم تمنحه واشنطن الضوء الأخضر، بل عارضته بشدة، وطالبه الرئيس الأميركي جو بايدن بعدم إشعال الحريق في المنطقة، ووافقه في ذلك الحلفاء الأوروبيون، الذين وجهوا رسالة صريحة بذلك.

ومن أجل هذا السبب، كانت زيارة كل من وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون، والألمانية أنالينا بيربوك في 17 إبريل الحالي، إلى إسرائيل، التي لم تنجح كلياً في إقناع نتنياهو بعدم الرد على الرد الإيراني، ولكنها خففت من اندفاعه. الرسالة الأميركية الصريحة جاءت على لسان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي، الذي قال إن الرد القوي من جانب إسرائيل، يمكن أن يؤدي إلى تصعيد عسكري في الشرق الأوسط، ما يعني أنه سيستدرج رداً إيرانياً. وهكذا بالتدريج تجد المنطقة نفسها في مواجهة مفتوحة، لن يكون في وسع أحد من الحلفاء الغربيين وغير الغربيين، أن يترك إسرائيل تواجه وحدها قوة إيران العسكرية المدعومة من حلفائها في كل من لبنان وسورية واليمن والعراق.

المعلن من المواقف والتصريحات الغربية هو أن ضغوطاً جرت ممارستها على إسرائيل كي لا ترد على الرد، ولذلك طلب بايدن من نتنياهو اعتبار إحباط مفعول الرد الإيراني “انتصاراً”، وعلى الرغم من أنه جدد دعم الولايات المتحدة “الثابت” لإسرائيل، فإن الرئيس الأميركي بدا أنه يريد بأي ثمن تجنّب اندلاع حريق في المنطقة قبل أشهر قليلة من الانتخابات الرئاسية الأميركية. ولتبرير هذا الموقف، توضح واشنطن أن الهجوم الإيراني لم يتسبّب في وقوع إصابات أو أضرار جسيمة.

أهداف نتنياهو في المنطقة

هناك مسافة واضحة بين مواقف الطرفين، إذ يطمح نتنياهو إلى تحويل التحالف الوقتي الذي تشكّل من أجل الدفاع عن إسرائيل بوجه المسيّرات والصواريخ الإيرانية، إلى حالة دائمة، وإظهاره إلى العلن ليشكل مرتكزاً للأمن في المنطقة. وحسب ما هو معلن من تصريحات ومواقف إسرائيلية، ترى إسرائيل في حالة الاصطفاف التي حصلت من حولها فرصة ثمينة يجب عدم التفريط بها. وهذا ما جاء على لسان وزير الخارجية يسرائيل كاتس بعد اجتماعه مع كاميرون، وقال إن “لدينا فرصة الآن من أجل لجم طهران.

وأثبت الهجوم الأرعن على دولة إسرائيل أن إيران تشكل خطراً على الاستقرار الإقليمي بواسطة إرهابها وإرهاب أذرعها”. حيال التباعد بين تل أبيب وحلفائها الغربيين، برز إجماع في أوساط المحللين في وسائل الإعلام الغربية على أن الرد من جانب إسرائيل ضد إيران حتمي. وجرى شرح ذلك لوسائل الإعلام على أساس أنه ثمة قاعدة عامة في الأمن الإسرائيلي تفيد بأن إسرائيل لا تتسامح مطلقاً إذا تعرّضت لضربة من دولة أخرى، ولذلك لم يكن نتنياهو قادراً على عدم الرد داخل الأراضي الإيرانية.

البرنامج النووي الإيراني هدف ثمين وهو الذي يبرر، في نظر البعض، ضرب إيران. لكن هذا على درجة عالية من الخطورة، وهناك إغراء يلوح أمام نتنياهو هو ضرب رؤوس نووية إيرانية في مرحلة أولى، وقد لا يكون ذلك في أول عملية معلنة داخل أراضي إيران، لكن عليه أن يضع ذلك في حسابه، إذا أراد أن يقوم بعملية استعراضية من أجل بقائه السياسي على رأس الائتلاف اليميني واليميني المتطرف. هجوم دمشق يندرج في سياق سلسلة من العمليات بدأت منذ أعوام ضد أعضاء الحرس الثوري وفيلق القدس التابع له، ضمن اتفاق بين كل من إسرائيل روسيا على قواعد اشتباك، تسمح لتل أبيب بمهاجمة الأهداف الإيرانية في سورية، وهذا أمر لن يتوقف في المرحلة المقبلة وهو غير مرتبط بالرد الإسرائيلي، بل بأهمية الأهداف الإيرانية. ولو لم تبادر إسرائيل، لكانت استمرت حرب الظلال بينها وإيران على ذات القواعد.

ويأتي تجاوز حدود حرب الظلال، ليعطي بعداً جديداً، لما أطلق عليه الخبراء “الحرب ما بين حربين”، التي كانت تقوم بها إسرائيل ضد أهداف إيرانية في سورية، واستهدفت على نحو خاص شحنات الأسلحة الإيرانية، التي كان يتجه بعضها إلى لبنان، والتنظيمات التي تدعمها إيران، ومنها حركتا حماس والجهاد الإسلامي. والأمر ذاته ينطبق على سلسلة الحروب والعمليات السرية ضد البرنامج النووي الإيراني والمنشآت العسكرية والبنية التحتية للطاقة، والهجمات ضد إيران في أعالي البحار وفي الفضاء الإلكتروني. الجديد من الآن وصاعداً هو أن الحرب مختلطة، في السر والعلن على جبهات متعددة، تشمل ما يُسمى بمحور المقاومة، خصوصاً الأطراف التي شاركت في إسناد غزة، وهي تتمثل في الحوثيين في اليمن، وحزب الله، وما يُعرف بالمقاومة الإسلامية في العراق وسورية، ومنها من تتهمه إسرائيل بتهريب الأسلحة إلى الضفة الغربية.

قيام إسرائيل بهذا العمل احتمال وارد جداً، وهو الأمر الذي سيعقّد الوضع، ومن المرجح أنها ستقوم بعمليات نوعية ضد هذه الأطراف، لأنها تعتقد بعدم جدوى الردود الأميركية في الأعوام الأخيرة على العمليات التي تعرضت لها قواتها في العراق، فالعمليات الانتقامية الأميركية ركزت أكثر على منشآت تعود إلى مجموعات عراقية تتخذ مواقع لها قرب البوكمال في سورية، وليس في العمق العراقي، إلا في مرات قليلة، وكانت كافية لرد هذه المجموعات، كما حصل في اغتيال القيادي في الحشد الشعبي أبو باقر الساعدي داخل بغداد في فبراير/شباط الماضي، وكان وزير الدفاع لويد أوستن واضحاً في تحميل إيران المسؤولية، حين قال إن الأطراف التي تهاجم قواتنا في العراق “مليشيات مدعومة من إيران”.

هناك تحذيرات من أن يؤدي الخطأ في بعض الحسابات إلى انزلاق الموقف إلى حرب واسعة. وإلى حد قريب كان الاعتقاد السائد هو عدم قيام إسرائيل بهجوم علني على إيران مثل القنصلية في دمشق، التي تعد حسب القانون الدولي أرضاً إيرانية، ولا أن تشن إيران هجوماً مباشراً على إسرائيل حتى لو تم تصويره في طهران على أنه محسوب بطبيعته ومحدود النطاق، ترد عليه إسرائيل بالمثل على الأراضي الإيرانية. ومن غير المرجح أن تقف واشنطن مكتوفة الأيدي أيضاً، بغض النظر عن خلافاتها مع إسرائيل بشأن غزة. وبعبارة أخرى، فإنه يمكن أن يؤدي سوء التقدير بسرعة إلى إثارة مواجهة أوسع تشمل حلفاء كل جانب. وبالتالي، صار باب التصعيد الكبير مفتوحاً، من دون ضمانات كافية بإمكانية احتوائه في الوقت المناسب. وحتى لو نجحت الأطراف الدولية بذلك في مرة أو أكثر، فإن استمرار الحرب في غزة يدفع الشرق الأوسط إلى الهاوية، وهو السيناريو الكارثي الذي سيخسر فيه الجميع.

هناك أكثر من مسألة أخرى مهمة، تدفع الغربيين إلى الضغط على نتنياهو من أجل عدم توسيع نطاق الحرب. الأولى هي أن حلفاء إسرائيل غير مستعدين لدعمها وكل طرف لديه مشاكله الخاصة، والثاني أن كل الحلفاء يعطون الأولوية لإنهاء الحرب على غزة، وتحقيق وقف إطلاق النار، ومعالجة الوضع الصعب الذي خلفته الحرب. والنقطة الثالثة هي أن الأولوية تبقى لأوكرانيا، وليس من فراغ أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أخذته الغيرة، وأبدى امتعاضه من الدعم الغربي غير المحدود لإسرائيل، وطالب بمعاملتها على نفس السوية، في وقت تشكو فيه بلاده من شح في الذخيرة بات يهدد بانقلاب جذري في الميدان لصالح روسيا. ويؤكد أكثر من مسؤول غربي على أحقية طلب زيلينسكي، لأن الانصراف عن أوكرانيا، والدخول بحرب في الشرق الأوسط، يهدد بتقويض كل الجهد الغربي ضد روسيا على مدى العامين الماضيين.

إظهار المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى