Topتحليلات

إردوغان وفلسطين والكيان الصهيونى

بحسب “الميادين”، تشهد علاقات أنقرة مع “تل أبيب” سلسلة من التناقضات التي تحظى باهتمام الجميع في الداخل والخارج، وقد فشلوا في إيجاد تفسير منطقي لها، إذ إنها لم تنتهِ وفق المعطيات الإقليمية والدولية التي نجح إردوغان في استغلالها خدمة لحساباته ومخططاته مع استمرار الفشل العربي في مواجهة هذه المعطيات بسبب تواطؤ البعض من الأنظمة العربية.

وللاطلاع على هذه التناقضات، علينا أن نذكّر بمرحلة ما قبل إردوغان، ولكن من دون العودة إلى تاريخ العلاقات بين الدولة العثمانية واليهود الذين منحهم السلطان سليمان القانوني أول قطعة أرض قرب طبريا عام 1553؛ لأن والدته كانت يهودية، وكذلك زوجته.

فتركيا على الرغم من رفضها قرار التقسيم في الأمم المتحدة عام 1947، لم تتأخر في الاعتراف بالكيان الصهيوني بعد أشهر عدة من الإعلان عنه في أيار/مايو 1948. وجاء ذلك كنتاج للتوجه التركي صوب أميركا بعد زيارة المدمرة الأميركية مسيوري إلى إسطنبول في نيسان/أبريل 1946 أي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.

وجاء فوز الحزب الديمقراطي بزعامة الثنائي عدنان مندرس / جلال بايار في انتخابات أيار/ مايو 1950 ليدفع أنقرة إلى مزيد من التقارب، وبالتالي التحالف مع واشنطن التي فتحت أبواب الحلف الأطلسي لتركيا عام 1952، بعد أن أثبتت تركيا ولاءها لأميركا بإرسال جيشها إلى كوريا للقتال جنباً إلى جنب مع الجيش الأميركي. وفتحت أنقرة بعد ذلك أراضيها للقواعد الأميركية والأطلسية، ووصل عددها في أواخر الخمسينيات إلى أكثر من مئة قاعدة، كما كانت تركيا من بين مؤسسي حلف بغداد مع العراق وإيران وبريطانيا عام 1955.

ولعبت تركيا آنذاك ومعها الحلف دوراً مهماً في مواجهة المدّ القومي العربي الناصري، خاصة قبل قيام الجمهورية العربية المتحدة عام 1958 وبعده، فحشدت قواتها على الحدود مع سوريا، وسمحت باستخدام القواعد الأميركية خلال حرب السويس عام 1956.

وجاءت زيارة رئيس وزراء الكيان الصهيوني بن غوريون سراً إلى تركيا في آب/ أغسطس 1958 لتفتح صفحة جديدة في العلاقات السرية منها والعلنية بين “تل أبيب” وأنقرة، التي حرصت على استمرار هذه العلاقات حتى في حالات الفتور والتوتر بين الطرفين لأي سبب كان، ولطالما كانت علاقات تركيا ذات طابع “عدائي” مع الدول العربية لأي سبب كان، وبصرف النظر عمن يحكمها.

فعلى سبيل المثال، شهدت علاقات أنقرة مع الدول العربية مرحلة إيجابية في عهد حكومة الثاني بولنت اجويت / نجم الدين اربكان بعد 1974 و1977 حيث وافق أجويت على فتح مكتب رسمي لمنظمة التحرير الفلسطينية في أنقرة عام 1979بحضور ياسر عرفات.

وعلى سبيل المثال أيضاً: عندما اقترح الرئيس الراحل تورغوت أوزال أواخر الثمانينيات بعد أن أصبح رئيساً للحكومة بفضل الانقلاب العسكري المدعوم أميركياً (1980) مدّ أنابيب للمياه من تركيا إلى الدول العربية كان جلّ همّه إيصال هذه المياه إلى الكيان الصهيوني. وبدليل أنه عندما فشل المشروع بسبب الرفض السوري، اقترح أوزال نقل المياه التركية إلى ميناء حيفا بواسطة السفن الضخمة، وهو ما لم يوافق عليه حاخامات الكيان الصهيوني؛ بحجة أن المياه التركية ليست نقية؛ لأنها ليست من نهر الفرات المقدس بالنسبة لهم.

وجاءت المفاجأة الأهم في علاقات أنقرة مع “تل أبيب” عندما وقعت الحكومة التركية على اتفاق للتعاون العسكري مع الكيان الصهيوني عام 1995-1996، تحت ضغوط الجنرالات الذين أجبروا رئيس الوزراء نجم الدين اربكان ووزير خارجيته تانصو تشيلر على المصادقة على هذه الاتفاقية، التي شملت العديد من مجالات التنسيق والتعاون العسكري والاستخباري، بما في ذلك تحديث الطائرات والدبابات التركية في “إسرائيل”.

وماذا عن ما بعد استلام إردوغان للسلطة؟

بعد فوز “العدالة والتنمية” في انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر 2002 حيث حصل على 34٪؜ من الأصوات، وسيطر على 66٪؜ من مقاعد البرلمان بفضل قانون الانتخابات، كانت دمشق المحطة الأولى في انفتاح رئيس الوزراء عبد الله غول على المنطقة العربية التي زارها في 5كانون الأول/ ديسمبر 2003 في إطار جولته في المنطقة لمنع الغزو الأميركي للعراق.

وفشل زعيم الحزب إردوغان الذي لم يكن رئيساً للحكومة بسبب الحظر المفروض عليه من ممارسة العمل السياسي، في إقناع البرلمان بالموافقة على نشر القوات الأميركية في تركيا قبل هذا الغزو، وهو ما أغضبه جداً إذ أجبر البرلمان بعد أن أصبح رئيساً للحكومة في 9 آذار/مارس 2003 للموافقة على فتح المجال الجوي التركي أمام الطائرات والصواريخ الأميركية التي انطلقت من الأبيض المتوسط في اتجاه العراق.

وبعد ذلك، يمكن لنا أن نلخص سياسات المد والجزر في مواقف إردوغان تجاه الكيان الصهيوني في النقاط الآتية، من دون الدخول في تفاصيلها، تاركين للقارئ التقييم والحكم على مقولات إردوغان ومواقفه وسياساته طوال 21 عاماً من حكمه لتركيا.

• بعد أن أصبح رئيساً للوزراء، قام إردوغان بأول زيارة خارجية له إلى السعودية، ليوازن بذلك ما قام به عبد الله غول الذي قام بأولى زياراته العربية إلى سوريا بداية 2003.

• بعد أن فاز حزب “العدالة والتنمية” في انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر 2002 ، توجه إردوغان فوراً إلى واشنطن في 10 كانون الأول/ديسمبر، ولم يكن آنذاك رئيساً للحكومة، والتقى الرئيس بوش وقيادات اللوبي اليهودي في أميركا، واتفق وإياهم على تطوير العلاقات في جميع المجالات وعلى جميع المستويات مع واشنطن و”تل أبيب”.

• في كانون الثاني/يناير 2004، منحت اللجنة اليهودية الأميركية   (AJC)إردوغان “وسام الشجاعة السياسية” لمواقفه المتضامنة مع “إسرائيل”، وهو الوسام الذي يمنح لأول مرة لزعيم دولة مسلمة.

• في الأول من أيار/مايو 2005، زار إردوغان “إسرائيل” واستقبله شارون في القدس، وقال له “أهلاً بك في عاصمة إسرائيل الأبدية والتاريخية والدينية”، ومن دون أن يعترض إردوغان على ذلك.

• في حزيران/يونيو 2005، منحت منظمة مناهضة المعادين لليهود ADL إردوغان وساماً جديداً لدور الأتراك دائماً في التعاطف والتضامن مع اليهود.

• في إطار علاقاته الوطيدة مع سوريا، بدأ إردوغان وبتوصية من مستشاره أحمد داود أوغلو حواراً مباشراً مع حماس، وهو ما أزعج “تل أبيب”، على الرغم من علاقاته الوطيدة مع الدوحة، حليفة إردوغان وحماس، هذا بالطبع إن لم يكن الجميع يمثل في مسرحية المضحك المبكي الشرق أوسطية.

• جاءت زيارة رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل إلى أنقرة في 15 شباط /فبراير 2016 لتفتح صفحة جديدة في الدور التركي في القضية الفلسطينية عندما طلب الأتراك من مشعل التخلي عن النضال المسلح (هذا ما قاله مشعل لي آنذاك).

وبعد أن تهرب إردوغان من لقاء مشعل بسبب ردود الفعل الإسرائيلية والأميركية والأوروبية ما دفع وزير الخارجية عبد الله غول إلى الاجتماع به في مقر الحزب وليس في مكتبه بوزارة الخارجية، ليكون داود أوغلو، وكان مستشاراً للحكومة، هو الوحيد الذي التقى مشعل بعيداً من الكاميرات.

وكانت هذه الزيارة بداية الحوار والتعاون بين أنقرة وقيادات حماس “الإخوانية” التي حظيت باهتمام إردوغان وداود أوغلو وغول، ليكون ذلك ورقة مهمة تساعدهم لموازنة الدور الإيراني في المنطقة عبر القضية الفلسطينية.

إظهار المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى