Topتحليلات

سباق روسيا والإمارات وإيران.. من سيجمع إردوغان بالأسد؟

يبقى الرهان على إرادة إردوغان ونجاح طهران وموسكو في إقناعه لإثبات مصداقيته في المصالحة مع الرئيس الأسد، وهو ما يتطلّب منه اتخاذ القرار الحاسم لسحب القوات التركية من الأراضي السورية كخطوة أولى.

ليست هي المرة الأولى التي يدخل فيها الوزير الإيراني حسين أمير عبد اللهيان على خط الوساطة بين تركيا وسوريا. وخلافاً لزيارته اليوم حيث جاء أنقرة قادماً من دمشق فقد زار عبد اللهيان أنقرة في 2 تموز/يوليو العام الماضي وغادرها إلى دمشق في محاولة منه لتهدئة الأمور بعد تهديدات الجانب التركي للقيام بعمليات اجتياح برية في الشمال السوري. وهو ما لم تقم به منذ ذلك التاريخ، بل وحتى بعد التفجير الذي وقع في شارع الاستقلال بإسطنبول في 13 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.

فقد هدّد المسؤولون الأتراك باجتياح تل رفعت وعين العرب ومنبج بعد أن حمّلوا وحدات حماية الشعب الكردية السورية مسؤولية الانفجار الذي استغلته أنقرة في مساوماتها الداخلية والخارجية مع روسيا وإيران الداعمتين لسوريا.

الوزير عبد اللهيان الذي سيلتقي في موسكو الوزير لافروف، يبدو واضحاً أنه بحث مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو والرئيس إردوغان، الذي استقبله في مقر حزب “العدالة والتنمية” وليس في القصر الرئاسي، مجمل التحركات الأخيرة من أجل تحقيق المصالحة التركية-السورية التي اكتسبت طابعاً عملياً بتصريحات إردوغان، الذي قال أكثر من مرة إنه طلب من الرئيس بوتين أن يجمعه بالرئيس الأسد. وقد يكون ذلك هدف زيارة الوزير عبد اللهيان كما كان هدف زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد الذي التقى الرئيس الأسد في دمشق الأسبوع الماضي.

ومع أنّ التحرّك الروسي قد يتطابق مع التحرك الإيراني، باعتبار أن موسكو وطهران شريكتان في عملية أستانة. فالجميع يعرف أن للإمارات حسابات أخرى طالما أنها الحليف الجديد للكيان الصهيوني وهي التي ساهمت في تحقيق المصالحة بين تل أبيب وأنقرة وساهم فيها أيضاً الرئيس الأذربيجاني إلهام عالييف والأوكراني زلينسكي، صديقا إردوغان ونتنياهو وهرتسوغ.

ومع استمرار الغموض الذي ما زال يخيّم على موقف الرئيس إردوغان المحتمل بعد تصريحات الرئيس الأسد الأخيرة التي اشترط فيها انسحاباً تركياً كاملاً من الأراضي السورية ووقف كل أنواع الدعم للإرهابيين. فالمعلومات تتحدث عن تحرك تركي-روسي-إيراني مشترك لجمع إردوغان بالأسد للاتفاق على الحد الأدنى من القواسم المشتركة التي يريد لها إردوغان أن تخدم أجندته الداخلية والخارجية، خاصة بعد لقاء جاويش أوغلو بنظيره الأميركي في واشنطن الأربعاء في 18/1/2023. 

فواشنطن التي سبق لها أن أعلنت رفضها للمصالحة السورية-التركية لم تُخفِ قلقها من احتمالات أن تنعكس هذه المصالحة سلباً على الواقع العسكري والسياسي والجغرافي شرق الفرات ومن خلاله على القضية الكردية عموماً في العراق وتركيا وإيران. ولا تريد واشنطن أن يكون لموسكو دور مباشر أو غير مباشر في مجمل السيناريوهات المستقبلية الخاصة بهذه القضية لما لها من انعكاسات مهمة على الصراع الروسي-الأطلسي في أوكرانيا. ومن دون أن يغيب عن الأذهان أنّ هذه القضية كانت منذ 100 سنة وما زالت القاسم المشترك شبه الرئيسي للدول الأربع. 

وقد سعت طهران خلال الفترة الماضية للدخول إلى خط ملف كرد سوريا عبر زيارة بافل طالباني ذي العلاقات الجيدة مع إيران إلى القامشلي في 21 كانون الأول/ديسمبر الماضي ولقائه بقيادات “قسد”، وفي مقدمتهم القائد العسكري مظلوم عبدي والقيادي البارز في حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني صالح مسلم، حتى لو كان ذلك بحضور قائد قوات التحالف الدولي ماثيو مكفارلين.

وتدفع مثل هذه الحسابات بما فيها السعودية والإمارات وقطر، بل وحتى “إسرائيل” إلى الدخول على خط المساعي التركية للمصالحة مع دمشق. وتريد لها الدول المذكورة أن تتأخّر حتى لا يكون ذلك على حساب مصالحها الإقليمية والدولية، خاصة إذا كانت هذه المصالحة بدور روسي-إيراني مشترك سيزعج واشنطن أيضاً. في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أن ما يريده إردوغان هو إغلاق ملف المصالحة بأسرع ما يمكن حتى يتسنى له أن يقول للشعب التركي إنه والأسد اتفقا على إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم. 

وهذا هو الموضوع الوحيد الذي لا يريد إردوغان للمعارضة أن تستغله خلال الحملة الانتخابية المقبلة بعد أن بيّنت كل الاستطلاعات أن قضية اللاجئين ستؤثر على نتائج الانتخابات بما لا يقل عن 2% وهي نسبة مهمة جداً وقد تقرّر مصير الانتخابات التي سيستنفر إردوغان كل إمكانياته الداخلية والخارجية للخروج منها منتصراً.

ويبقى الرهان على إرادة الرئيس إردوغان ونجاح طهران وموسكو في إقناعه لإثبات مصداقيته في المصالحة مع الرئيس الأسد، وهو ما يتطلّب منه اتخاذ القرار الحاسم لسحب القوات التركية من الأراضي السورية كخطوة أولى على طريق التفاهم في القضايا الأخرى. ومنها عدم التدخل لمنع الجيش السوري من اقتحام إدلب، وهو الموضوع الأكثر حساسية وصعوبة بالنسبة لإردوغان، خاصة إذا رفضت “النصرة” الانسحاب وقررت مواجهة القوات السورية المدعومة من روسيا، التي تستطيع أن تحسم المعركة بسرعة في حال إيقاف أنواع الدعم التركي للنصرة والفصائل الحليفة لها كافة. 

وهذا هو الموضوع الذي يقلق أنقرة بسبب الإرهابيين الأجانب الموجودين داخل “النصرة”، ويعرف الجميع أنهم دخلوا سوريا عبر الحدود مع تركيا التي قدمت لهم أنقرة وما زالت كل ما يحتاجونه لأن إدلب وجوارها محاطة بالحدود مع تركيا فقط، ولا يمكن إيصال أي شيء إلى المنطقة إلا عبر هذه الحدود.

في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أن إغلاق ملف المعارضة السورية بكل أشكالها لن يكن صعباً بالنسبة لأنقرة التي لديها ما يكفيها من الملفات الخاصة ضد جميع قياداتها التي “تسترزق” من تركيا وتعيش فيها وتتنقل عبرها إلى أوروبا ومؤخراً إلى واشنطن.

المصدر: الميادين نت
كاتب المقالة: حسني محلي
ملاحظة: إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي إذاعة أرمينيا العامة وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً.

إظهار المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى