Topسياسة

رئيس أرمينيا لـ”الأهرام”: المذابح التي ارتكبها الأتراك ضد الأرمن لاتسقط بالتقادم…‏

نشرت جريدة الأهرام (المصرية) الأكثر موثوقية في العالم العربي مقابلة حصرية مع رئيس جمهورية أرمينيا السيد أرمين سركسيان… بعنوان: “المذابح التي ارتكبها الأتراك ضد الأرمن لاتسقط بالتقادم”…

 أثناء الحوار تم تسليط الضوء على قضايا تاريخية حاكمة للسياسات العامة في جمهورية أرمينيا انطلاقا من المذابح التي تعرض لها شعب الأرمني عام 1915

قال ساركسيان: لقد مضى أكثر من قرن على الجريمة الشنيعة التي ارتكبت بحق الإنسانية والحضارة بين عامي 1915-1923، ولكن عواقب تلك الجريمة مازالت موجودة حتى يومنا هذا وتعوق التطور الطبيعي لأرمينيا.

وفقا لرئيس أرمينيا، للإبادة الجماعية الارمنية كان لها عدة أهداف وسأشير الى هدفين رئيسيين، الأول سياسيا، والسبب الآخر كان أيديولوجيا.

السبب الأول سياسي: كان ينبغي أن تصل “المسألة الأرمنية” التي أثيرت في مؤتمري سان ستيفانو وبرلين في عام 1878 إلى نهايتها المنطقية بإعادة تأكيد السيادة الأرمنية على الأراضي التاريخية لأرمينيا، ووضع أساس لاستقلال أرمينيا لاحقاً، وفي وضع الشعوب العثمانية الأخرى حدث ذلك في المناطق الأوروبية والشرق الأوسطية في الامبراطورية بعد الحرب البلقانية والحرب العالمية الأولى.

السبب الآخر للإبادة عقائدي: سعت القومية التركية الناشئة الى تحويل الإمبراطورية الشاسعة ومتعددة الشعوب والثقافات إلى دولة تركية ذات نسيج وتركيبة واحدة، مع الأخذ بعين الاعتبار تقدمها السياسي نحو المناطق الشاسعة والغنية في القوقاز وآسيا الوسطى.

هناك خسارة أخرى وهي الأهم، والتي سعت إليها الحكومات التركية المتعاقبة وهي القضاء على العنصر الأرمني بشكل كامل من الأراضي الأرمنية التاريخية…

واليوم، لم يعد هناك أرمن يعيشون في تلك الأراضي، وحين لايوجد أشخاص، لن يكون هناك وجود للغتهم وعاداتهم ونمط حياتهم وثقافتهم ومطبخهم وأدواتهم والأغراض اليومية حيث تشكل البيئة الوطنية، والمجتمع والشعب… وخلال العقود اللاحقة للإبادة، جرى تدمير وتخريب آثار الأرمن والحضارة الأرمينية في أرمينيا الكبرى أي اليوم “جمهورية تركيا” بشكل مستمر وممنهج.

واليوم حين نقوم بإدانة تدمير الآثار والنصب التاريخية في أماكن مختلفة من العالم من قبل المتطرفين، فكم يترتب علينا من إدانة بشدة، وكان علينا سابقاً أن ندين تدمير الآثار الثقافية والمادية لشعب بأكمله يعود تاريخه إلى آلاف السنين على الأقل.

 من المؤسف الإدراك بأن الانسانية لم تتعلم دروساً من الابادة الارمنية، لقد نسيت الإبادة وظلت بدون اعتراف ولم يتم إدانتها، ولو تمت إدانتها لكان من الممكن منع جرائم مماثلة في تاريخ البشرية… لكن الانسانية شهدت بعد ذلك إبادات أخرى… حسب قناعتي العميقة، فإن الاعتراف بالإبادة الجماعية الأرمنية لا يقتصر على الأرمن فحسب، بل هو في المقام الأول مسألة موقف من القيم الانسانية، ولعدم تكرار هذا الشر.

إن أرمينيا تنطلق من هذا الوعي، وتحدد منع الإبادات أحد أولويات سياستها، وتقوم بخطوات نشيطة في هذا المسار على الصعيدين القومي والدولي، وبمبادرة من أرمينيا اعتمد مجلس حقوق الانسان لدى منظمة الامم المتحدة دورياً قرارات بشأن منع الإبادات، أما في عام 2015 بمبادرة من أرمينيا ايضاً تم اعتماد قرار من قبل منظمة الامم المتحدة لإعلان 9 كانون الاول كيوم عالمي لإحياء وتمجيد ضحايا جريمة الابادة الجماعية ومنع هذه الجريمة، بالتالي، إن قضية الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن والتي يثيرها الأرمن أمام المجتمع الدولي وتركيا موضوع واقعي، وتشمل عدة مكونات: سداد دين الذاكرة، ومنع تكرار مثل هذه الجرائم، وإزالة عواقب الإبادة الجماعية.

اليوم، ليس لدى المجتمع الدولي شك في حقيقة الإبادة الجماعية بحق الأرمن، وفي الوقت ذاته، من غير المقبول أن يُنظر إلى قضية الاعتراف بالإبادة الجماعية الأرمنية من وجهة نظر المصالح الاقتصادية أو السياسية الحالية مع أنقرة.

في تلك الحالة، لا يمكننا، أن نعلن من جهة معركة مشتركة فعالة ضد معاداة الإنسانية، والتمييز، والتعصب، ومعاداة السامية، وإنكار الإبادة، وشرور إنسانية أخرى، ومن جهة أخرى، نمارس “دبلوماسية” حول تلك القضايا.

أنا مقتنع بأن جميع الدول والمنظمات التي اعترفت بالابادة الارمنية انطلقت بشكل عام من هذا المنظور، ونحن نقدر ذلك ونعبر عن شكرنا وامتناننا لهم.

اليوم، المجتمع الدولي والشخصيات السياسية والاجتماعية ومن بينهم عدد كبير من المفكرين الأتراك والشخصيات العامة يطالبون بالاعتراف بالابادة الأرمنية، آملين أن تتصالح السلطات التركية مع الصفحات المأساوية من تاريخها، وتتجاوزها… إن جريمة الإبادة الجماعية لاتسقط بالتقادم، وبالتالي فإن اعتراف تركيا بالإبادة الجماعية الأرمنية وإزالة عواقبها ضمان أمني بالنسبة لأرمينيا وللشعب الأرمني، وللمنطقة أيضاً.

لا يمكننا أن ننسى الإبادة الجماعية الأرمنية، ولا يمكننا التصالح مع عواقبها، لا يمكننا تجاهل معاناة الضحايا والناجين، ويجب علينا تأمين مستقبل آمن ومشرف لأجيالهم.

نذكركم: تأسست صحيفة الأهرام عام 1875 وهي تنشر مليون نسخة يومياً

إظهار المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى