
إن الأعمال المناهضة لتركيا من قبل الجماعات الموالية لتركيا في لبنان في منتصف حزيران / يونيو هي استفزاز خطير لنظام الدولة اللبنانية المتعددة الطوائف، والذي هو جزء من الأزمة السياسية والاقتصادية الخطيرة، في الوقت نفسه، يثير هذا الحادث تساؤلات حول المشاركة السياسية والاقتصادية لتركيا في لبنان.
تعمل تركيا باستمرار على تعزيز موقعها في لبنان باستخدام أدوات “القوة الناعمة”… وبحسب بيانات غير رسمية، يبلغ عدد الأتراك في لبنان من 50-80 ألفاً، يتركز معظمهم في ثاني أكبر مدينة لبنانية في “طرابلس” وبحسب وسائل الإعلام التركية، هناك أيضاً من 120-150 ألف لاجئ تركماني في لبنان، هاجروا إلى لبنان من سوريا في السنوات الحرب السورية الأخيرة، ويعيش معظمهم في العاصمة بيروت.
تقليديا، لم يكن المجتمع التركي نشطاً سياسياً في لبنان… أما أنقرة الرسمية بناء على أسباب موضوعية الأزمة الاقتصادية التي سببتها الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) والوجود المؤثر لدمشق في لبنان، والمشاركة الفاعلة الاإقليمية والدولية الرئيسية مثل، المملكة العربية السعودية، قطر، إيران، سوريا، فرنسا، الولايات المتحدة الأمريكية، مصر وأنشطة جماعة حزب الله الشيعية في لبنان، وجود مجتمع أرمني مؤثر تاريخياً ونشط سياسياً في لبنان، لم تتخذ من قبل خطوات فعالة لتعزيز موقعها في لبنان.
لكن في السنوات الـ 15 الماضية، تغير الوضع بشكل كبير، بالنظر إلى العقبات المذكورة أعلاه، تستخدم تركيا أدوات “القوة الناعمة” لتعزيز موقعها في لبنان، بالاعتماد بشكل رئيسي على التركمان والسنة (لا تزال تركيا غير قادرة على العثور على شركاء بين الموارنة والشيعة والدروز والمجتمعات المسيحية الأخرى) في الوقت نفسه، تركز أنقرة على تنفيذ برامج المساعدة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في المناطق السنية والتركمانية، والتعاون النشط مع المنظمات غير الحكومية، والمنظمات الخيرية والإنسانية.
اكتسبت أنقرة سياستها الخارجية في الشرق الأوسط أهمية خاصة في العقد الماضي، تبذل جهوداً كبيرة لتطوير العلاقات الثنائية مع هذه الدولة الشرق أوسطية ذات الأهمية الاستراتيجية… وعلى الرغم من العوائق، تجدر الإشارة إلى أن العلاقات بين تركيا ولبنان حققت تقدماً ملحوظاً على مدى السنوات الـ 15 الماضية.
بطبيعة الحال، تشكل سياسة تركيا هذه تهديداً خاصاً للمجتمعات المحلية والأرمينية بأكملها في الشرق الأوسط، والتي عانت بالفعل بشكل كبير نتيجة للصراعات المستمرة والأزمات الاقتصادية في الشرق الأوسط منذ عام 2010 ومن المتوقع أكثر من ذلك أنه بالتوازي مع تفعيل العامل التركي في لبنان، سيزداد استهداف الجالية الأرمينية من قبل الجماعات الموالية لتركيا.
من وجهة النظر هذه، من الجدير بالذكر أن الأحزاب السياسية الأرمينية الثلاثة في لبنان” الطاشناك، الهنتشاك، الرامغافار” أصدروا بياناً مشتركاً حول مايجري في لبنان في الآونة الاخيرة، مؤكدين أن أي تمييز ديني وعرقي يشكل تهديداً للشؤون الداخلية للبنان، ويمكن للمرء أن يتوقع أن ليس فقط اللبنانيين الأرمن سيعارضون بشدة أي مظهر من هذا القبيل، بل الحكومة اللبنانية والشعب اللبناني.
وفي الوقت نفسه، فإن السفارة الأرمينية في لبنان على اتصال دائم مع كل من الهياكل المجتمعية والسلطات اللبنانية من أجل مراقبة الوضع، وتركز السلطات الأرمنية أيضاً على الوضع الاجتماعي والاقتصادي للبنانيين الأرمن، وهو أمر بالغ الأهمية، تجري حالياً مناقشة الأدوات التي ستسمح لنا بالاستجابة لهذه المشكلات.
مؤلفة المقالة: أربينيه هوفسيبيان